تمتاز لندن عن غيرها من العواصم الغربية بوجود أكبر جالية اسلامية وشيعية فيها، ولذلك فقد وجه سماحة المرجع الأعلى الإمام الخوئي (قده) اهتمامه لبناء مركز اسلامي يلبي حاجات أبناء الطائفة في المملكة المتحدة. ولقد كان اهتمام سماحته منصباً بالدرجة الأولى على تأمين مدرسة للبنين والبنات تضم الدراسة العصرية والتربية الاسلامية، مع تهيئة الأجواء الملائمة لتنشئة الجيل الجديد على الالتزام بالعقيدة واتباع منهج أهل البيت عليهم السلام، منعاً لهم من ضياع هويتهم الثقافية وعقيدتهم الدينية.
وهكذا بذلت المؤسسة جهداً كبيراً في البحث عن المكان المناسب لاقامة مثل هذا المشروع، وأخيراً تم اختيار مبنى مدرسة كانت معروضة للبيع، تتسع لثمانمائة طالب وطالبة، مضافا للمباني الادارية، وبجانبها كنيس، في شمال غرب لندن، حيث كان المجمع مثالياً لتغطية الحاجة التي نتوخاها، فقد حوّل الكنيس الى مركز اسلامي يضم قاعتين ضخمتين للرجال والنساء مع سائر المرافق، وقاعات الطعام.
افتتاح المركز
تصادف افتتاح مركز الإمام الخوئي الاسلامي في لندن يوم السبت الموافق ٢٠/٦/١٩٩٢م مع مناسبة عيد الغدير الاغر. وقد حضر الاحتفال جمع غفير من المسلمين المقيمين في بريطانيا، حيث القيت كلمات عدة من قبل السادة العلماء والضيوف الافاضل،بالمناسبة، وقد ألقى وقتها الشهيد السيد عبد المجيد الخوئي كلمة المؤسسة، حيث اشار حينها الى الرعاية الالهية التي حولت هذا المكان من معبد لممارسة الشعائر الدينية حسب الشريعة اليهودية، الى مركز اسلامي زاهر لخدمة ابناء الامة ولاقامة وتعظيم شعائر الله على حسب دينه، الذي قال عنه تعالى: (ان الدين عند الله الاسلام)، بفضل تسديد الله والحكمة والرعاية الخاصة للمرجع الديني الاعلى آية الله العظمى الإمام الخوئي (قده). ومستشهدا بالمثال القرآني، حين حول الله قبلة المسلمين من المسجد الاقصى الى بيت الله الحرام، وهكذا شاءت الارادة الربانية أن يتحول هذا المحراب على نفس المنوال باتجاه بيت الله الذي قال عنه تعالى (إن اول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدى للعالمين، فيه آيات بينات، مقام ابراهيم ومن دخله كان آمناً).
لقد كان واضحا منذ البداية الهدف الذي سعى الإمام الخوئي الى تحقيقه وهو: "انشاء مؤسسة عالمية تتمتع بشخصية قانونية ... تحت اشراف المرجع الاعلى للشيعة الإمامية في كل عصر، هدفها انشاء المراكز الاسلامية والمدارس الدينية والعصرية ورعاية المؤسسات الاجتماعية والثقافية في شرق العالم وغربه". مبينا أن هذه المؤسسة، وبرغم انها تستمد شرعيتها وكينونتها مباشرة من مظلة المرجعية العليا للامامية الاثنى عشرية فانها لا تخدم جماعة خاصة أو قومية معينة وبعبارة اوضح، اذا كانت هناك مراكز اسلامية خاصة بأخواننا الباكستانيين أو الايرانيين أو العرب أو غيرهم. فان مركز الإمام الخوئي الاسلامي في لندن وسائر المراكز التابعة للمؤسسة، تتسع مظلتها لتشمل جميع الاخوة المؤمنين من جميع القوميات وللنشاطات كافة، فهي تقدم الخدمات الدينية والاجتماعية والثقافية للجميع من دون استثناء.
كما أوضحت هذه الاهداف رسالة الإمام الخوئي وقتها، والتي تليت في حفل الافتتاح وباللغات العربية والانكليزية والفارسية، وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم
ولدنا العزيز العلامة السيد عبد المجيد سلّمه الله تعالى
الحمد لله وسلام على عباده الذين اصطفى، سيّما مصطفى هذه الذكرى المباركة الذي صدَع بأمر ولاية الله فيها، وعلى صاحبها الزكي الذي فُرضت طاعته على العباد، وعلى أبنائه الطاهرين الذين تمت بهم كلمة الله وعظمت به نعمته.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فقد تلقينا ببالغ السرور نبأ عزمكم على افتتاح المركز الاسلامي الكبير التابع لمؤسستنا الخيرية في مدينة لندن، فرغبنا أن نشاطركم واخوتكم الكرام المشاركين في تنفيذ هذا المشروع المبارك، الغبطة والفرح بهذه المناسبة، سيّما وان خطوتكم الميمونة هذه تصادف الذكرى العطرة ليوم الغدير الاغر، يوم اكمال الدين واتمام النعمة.
وانني اذ أحمد الله تبارك وتعالى على ما أنعم به عليّ، فحقق لي بعض ما كنت أصبو اليه، حيث بدأت مؤسستنا الخيرية تؤتي ثمارها واحدة تلو الاخرى. أشكر لكم ولاخوانكم أعضاء الهيئة المركزية للمؤسسة، سيما القائمين على هذا المشروع، الجهد الذي بذلتموه في سبيل اكماله وانجازه بالشكل اللائق به.
أدعو الله تبارك وتعالى ومن رحاب سيد الاولياء عليه السلام أن يجعل من مؤسستنا هذه، صرحاً لدينه القويم ومناراً لاشعاع رسالته وولايته بين المسلمين، وأن يسدد خطى القائمين عليها في طاعته، ويمدهم بما هو أهله من العون والتوفيق ويلقيهم ثمار سعيهم في سبيله، مثوبة حسنة وجزاءً جميلاً في دنياهم وآخرتهم، انه سميع مجيب.
أبلغ خالص تحياتنا ودعائنا لاخوانك في المؤسسة مع وصيتي لكم بأن تجعلوا تقوى الله اساس اعمالكم، والاخلاص له رصيد نهجكم ورضاه غايتكم. والسلام عليكم وعلى جميع اخواننا المؤمنين ورحمة الله وبركاته.
أبوالقاسم الموسوي الخوئي
النجف الاشرف في ٣ ذي الحجة ١٤٢١هـ
نشاطات المركز
تتوزع مهمات مركز الإمام الخوئي الاسلامي في لندن على مجالات عدة. ففي المجال الديني يوجد في المركز مسجد لأداء الصلاة والاحتفال بالمناسبات الدينية. ومن ذلك على سبيل المثال:
ـ اقامة الاحتفالات الدينية في المناسبات الاسلامية الخالدة والاعياد.
ـ اقامة مجالس العزاء في شهري محرم الحرام وصفر باللغتين العربية والفارسية لمحبي أهل البيت (ع) المقيمين في هذه البلاد، كما أن هناك مجلساً باللغة الانكليزية للناطقين بها وخاصة للشباب الذي أصبحت لغتهم الام هي الانكليزية.
ـ اقامة دورات في الدروس الحوزوية تشمل العقائد ، الفقه ، النحو، التفسير.
ـ تقديم دروس فقهية باللغة العربية للاخوات المسلمات، وأخرى باللغة الانكليزية للاخوات البريطانيات المعتنقات للاسلام حديثاً.
ـ تنظيم دورات لتعليم وتدريس علوم القرآن الكريم واللغة العربية لغير الناطقين بها.
ـ قراءة دعاء كميل في ليالي الجمعة وبعد اقامة صلاة الجماعة زيارة الإمام الحسين (ع)، والقاء محاضرة عقائدية.
ـ اجراء مراسيم العقود الشرعية للزواج والطلاق.
ـ العمل على تجهيز الموتى بالاشراف على تغسيلهم وتكفينهم واقامة الصلاة عليهم حتى الدفن في مقبرة المسلمين أو ارسال الجنائز الى مدن العتبات المقدسة في العراق، خصوصا النجف الاشرف.
ـ ارسال المبلغين الى مختلف المناطق البريطانية التي توجد فيها جماعات من الاخوة المؤمنين في المناسبات العامة كشهر رمضان ومحرم وصفر أو المناسبات الخاصة.
ـ تأمين قاعة رياضية خاصة للاخوات المؤمنات لاستخدامها من دون مانع شرعي.
ـ هداية الباحثين عن حقيقة الاسلام وتعريفهم بالدين الحق وتزويدهم ببعض الكتب اللازمة أو ارسالها اليهم عن طريق البريد.
ـ مساعدة المحتاجين والفقراء والمرضى بما يمكن من تسديد حاجتهم.
ـ جمع التبرعات وارسالها الى المحتاجين والفقراء في العراق وايران ولبنان وباكستان اضافة الى بعض البلدان الاخرى.
ـ التنسيق والعمل مع ادارة بعض المدارس الرسمية البريطانية لدعوة تلاميذها الى زيارة المركز لتعريفهم على الاسلام واطلاعهم على وضع المسلمين ومراكزهم وكيفية العمل فيها مع التركيز على تقديم صورة صحيحة عن معتقدات المسلمين.
ـ تهيئة المكان المناسب من قاعات المركز لعقد بعض الندوات الفكرية والاجتماعية من قبل اطراف متعددة، وكذلك لاقامة مراسيم الاحتفالات الخاصة للعوائل المسلمة في افراحها واحزانها.